علينا أن نتوقف طويلاً أمام مغزى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -
ن ؟ للرجل الذي جاء يسأله عن أحق الناس بحسن الصحبة ،
فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"أمك، قال ثم من؟ قال أمك ، قال ثم من ؟ قال أمك ، قال ثم مقال أبوك" رواه البخاري .
وليس الأمر تمييزاً للنساء على الرجال ،
ولكنها العدالة الإسلامية التي وضعت الأم في هذه المكانة العظيمة نظير جهدها المحوري في تربية النشء ،
وما يستتبع ذلك من تكوين شخصية الإنسان ومشاعره وضميره حتى لحظاته الأخيرة في هذه الحياة .
وعلى الرغم من أهمية دور الأب في عملية التربية إلا أن مركزية دور الأم لا يمكن تجاوزها،
وهو ما عبرت عنه بدقة خولة بنت ثعلبة ـ
المجادلة التي سمع الله قولها ـ حين قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن زوجها وأولادها :
" إن لي منه أولاداً إن ضممتهم إليَّ جاعوا ،
وإن ضممتهم إليه ضاعوا" فالضياع هو أدق تعبير لافتقاد دور الأم في حياة الأطفال ،
ومن هنا كانت الأهمية شديدة لدعم الأم وتوعيتها بدورها
ووضع البرامج التربوية التي تؤهلها لممارسة مهامها وتعريفها بما جاءت به الشريعة الغراء من مبادئ تربوية عظيمة .
وبذلك تكون الأم الناجحة هي مفتاح العملية التربوية الناجحة إن شاء الله تعالى .
- متعة الأمومة:
كثيرة هي تلك الأعباء التي تتحملها الأم، خاصة الأم العصرية ؛ التي افتقدت الأسرة الممتدة -
التي كانت تعينها في تحمل مسؤولية الأبناء ورعايتهم -
وفي الوقت ذاته تحملت العديد من الأمهات عبء المشاركة في تدبير نفقات المعيشة مع الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الأساسية ،
فتحولت حياة كثير من الأمهات إلى رحلة من الشقاء والإجهاد
وأصبحت الكثيرات لا يتوقفن عن الصراخ أو افتعال الشجار سواء مع الزوج أو الأبناء ،
وتحولت الأمومة من متعة تحلم بها الفتاة منذ نعومة أظافرها إلى عبء حقيقي مفرغ من المشاعر الدافئة الحانية ،
وربما وصل الأمر ببعض الأمهات للدعاء على أطفالهن .
وقد نجد أماً تضرب رضيعاً لأنه لا يريد أن يهدأ وينام، ونجد أخرى تضرب طفلها بصورة هسترية حتى تصيبه بالكدمات،
وأمهات يلسعن أولادهن بالنار أثناء التدريب على عملية الإخراج ، وهي صور بشعة للأمومة ،
ولن تستطيع الأمة أن تسترد عافيتها بمثل هذه النوعية من الأمهات .
فالأم المشوهة لا يمكن لها أن تبدع جيلاً يمحو الهزيمة الحضارية التي تعيشها أمته .
- أنت أولاً :
لعل الكثير من الأمهات في حالة من عدم الرضا عن أدائهن ، ويشعرن بالتقصير ويبحثن عن المساعدة
لتجاوز هذا الضغط العصبي الذي خلفه الإيقاع السريع اللاهث لعصرنا .
والحقيقة أنه لن يتحرك أحد لمساعدتك ما لم تبادري أنت بمساعدة نفسك ،
فالإرادة لابد أن تكون نابعة من أعماق الإنسان ذاته ،
وإلا فلن تستطيع قوة في الأرض أن تقدم المساعدة لإنسان لا يملك العزم أو زمام المبادرة ..
وكثير من الأمهات يهدرن حياتهن عبثاً ويعشنها نكداً
وهن يتصورن أنفسهن شهيدات ضحين بأنفسهن من أجل الآخرين - خاصة فلذات الأكباد -
فهن كالشموع التي تحترق من أجلهم .
أما الحقيقة فهي أنهن يعشن في أكذوبة مزيفة، فالكثيرات تعيسات ويسببن التعاسة لمن حولهن دون أن يدرين،
وما ذلك كله إلا لأنهن لم يفكرن بطريقة سليمة تحمي من الوقوع في الخطأ .
فالأم التي تلقي بنفسها في طاحونة العمل بزعم أنها تضحي بنفسها من أجل توفير مستوى معيشي مرتفع لأطفالها
أو لإلحاقهم بمدارس ذات مستوى معين ونحو ذلك،
لا تقدم تضحية حقيقية لأبنائها، حيث إن الحاجة للحب والأمان والحنان تسبق الحاجة إلى المال والأشياء المادية ،
بل والأكثر من ذلك أن الطفل الذي تسدد وتشبع جيداً احتياجاته النفسية يستطيع أن يتكيف مع وضع أسرته المادي بل ويفخر بذلك
فالحقيقة الصادمة أن الكثير مما نحسب أن أولادنا يرغبون في شرائه ليس كذلك بالفعل ،
وأننا نحن الذين نريد هذا الشيء للتباهي وأشياء من هذا القبيل، وأن الكثير مما يطلبه أبناؤنا نكون نحن من أوحى لهم به.
الأدلة الواقعية التي تؤكد أن السعادة لا تتطلب مالاً كثيرة جدا .
فالقصة التي تحكيها الأم لأطفالها لن تكلفها مالاً، فقط هي بحاجة لأم غير مضغوطة هادئة الأعصاب
وهي بالإضافة للسعادة التي تمنحها للأم والطفل تدعم الروابط الوجدانية بينهما، كذلك تستطيع الأم بذكاء وبعيداً عن النصح المباشر
أن تقدم مضامين تربوية تتسرب في البنية العميقة للاشعور عند الطفل وتصبح جزءاً لا يتجزأ من شخصيته فيما بعد،
وهو ما لا يمكن أن يحدث أبدا عن طريق التلفاز أو الكمبيوتر أو حتى المدرسة الخاصة باهظة السعر .
- حب إيجابي :
على الأم المسلمة التي تريد النجاح في دورها أن تحب نفسها حباً إيجابياً - على العكس من الحب الأناني -
حباً يساعدها على أن تدعم نفسها ذاتياً كي تستطيع القيام برسالتها ويساعدها أن تفكر بشكل صحي
فلا تقع في شرك التضحية المزيفة فإذا لم تكن الظروف قاهرة وكان للأم أطفال صغار فلا معنى للخروج للعمل المأجور،
يكفي أن نقول إن الصناعات الغذائية المنزلية تتكلف فقط 30%من قيمتها الموجودة في السوق.
ومن مظاهر الحب الإيجابي للذات أن يكون للأم وقت خاص تقضيه بالصورة التي تحلو لها..
هذا الوقت يعمل كشاحن للطاقة النفسية التي تتبدد كما الطاقة الجسمية – تماما -
من كثرة الأعباء والمسؤوليات فما أجمل أن تقضي المرأة هذا الوقت في صلاة هادئة
بعيداً عن صخب الأولاد الذين قد يمنعونها من الخشوع المطلوب في الصلاة،
أو تجلس في وضع استرخاء وهي ترتشف كأسا من اللبن الدافئ وترقب النجوم البعيدة اللامعة في السماء،
وتسبح بحمد ربها أو تتنفس عميقا وهي تردد أذكار الصباح مترقبة بزوغ الشمس، وقد تلونت السماء بكل ألوان الجمال
وحمل لها الهواء أكبر كمية من الأوكسجين فتتدفق الطاقة إلى كيانها وتشعر أنها مخلوق قوي وقادر وفاعل،
فينعكس ذلك كله على حياتها وعلى أدائها.
- علاقة دافئة :
علاقة المرأة والرجل ومدى قوتها ودفئها أحد أهم العوامل التي تساعد المرأة أن تتقبل دورها في الحياة،
بل وتتفانى فيه، فكلمة حانية من الزوج تمسح عبء يوم كامل، وكلمة الشكر والتقدير
ونظرة الاهتمام لها مفعول السحر في تجديد وشحن الطاقة النفسية للأم المنهكة .
وكلما بذلت المرأة جهداً في الحفاظ على علاقتها بزوجها ندية نضرة صب ذلك في المحصلة النهائية لصالحها هي،
فحالة الشجار والنكد والتوتر هي أسوأ ما تواجهه الأم، فطاقتها على تحمل السهر مع طفل رضيع قلق أو مريض عالية،
وقدرتها على تحمل ضوضاء وشجار الأطفال مرتفعة كذلك، ولكن قدرتها على تحمل فترات الشقاق بينها وبين زوجها
تبدو على العكس من ذلك منخفضة جدا، لدرجة أنها قد تعجز عن القيام بوظائفها الطبيعية والعادية في حالة الشقاق هذه،
فتراها لا تتحمل صوتاً من الأطفال، وكثيراً ما تقوم بتفريغ طاقتها السلبية فيهم - باعتبارهم الحلقة الأضعف -
مع ما يحمله ذلك من مخاطر نفسية محدقة بهم، لذلك يجب على الأب الواعي أن يدرك تأثيره الحاسم في جودة حياة الأم،
ومن ثم جودة حياة العائلة .