لماذا يخفق الآباء في تقدير قيمة اللعب؟!
اللعب هو الوسيلة الأولى لتفاعل الطفل مع المجتمع
تفريغ الطاقات العقلية والجسمية أهم مميزات اللعب
عدم اللعب في الصغر قد يؤدي إلى الاكتئاب قد يتعب الأطفال من اللهو واللعب.. لكنهم لا يسأمون
يلعب الأطفال عندما لا يكون هناك أي شيء ينشغلون به، أي عندما يكونون في راحة من الناحيتين النفسية والجسمية، وعلى الرغم من ذلك فإن لعب الأطفال هو أكثر من مجرد ترويح، فهو يساعد على نمو الطفل في جميع النواحي؛ ويسمح له باكتشاف الأشياء والعلاقات بين الأشياء، وهو يسمح له بالتدريب على الأدوار الاجتماعية، وهو إلى جانب ذلك يخلصه من انفعالاته السلبية ومن صراعاته وتوتره ويساعده على إعادة التوافق، كل ذلك دون مخاطرة أو تعرض لنتائج ضارة.
ويرى دكتور اختصاصي في هدا المجال أن اللعب يطلق عادة على كل أعمال الأطفال، وبعض أعمال البالغين غير الجدية التي تتجلى فيها التلقائية وعدم التقيد بقيد ما، أو اعتبار لغير قانون اللعبة، أو الشعور بالمسئولية من ناحية والارتياح المتجدد أثناء القيام بها، واللذة التي يجدها الفرد فيها، والمثابرة والاستمرار للحصول على أكبر قدر من هذه اللذة من ناحية أخرى.
وإذا حاولنا أن نعدد السمات المميزة لنشاط اللعب عند الأطفال فإننا نجد صعوبة في حصرها وحسبنا الإشارة إلى بعضها على النحو التالي:
- اللعب من حيث كونه نشاط معناه أنه نوع من السلوك الحر فلا يمكن إجبار الأطفال على أن يلعبوا.
- اللعب سلوك يشتمل دائما على المتعة والبهجة والتسلية بالنسبة للذين يمارسونه، فالمتعة غاية اللعب وهدفه الأول.
- اللعب سلوك قد يظهر في صور وأشكال مختلفة فقد يكون فرديا في مرحلة ما وجماعيا في مرحلة أخرى... وهكذا.
- اللعب سلوك يتضمن استخدام الطاقات الحركية والذهنية والفعلية للطفل.
- اللعب سلوك يتميز بالسرعة وخفة الحركة وذلك قد يرجع إلى كونه نشاط تلقائي لا قسر فيه.
- والأطفال حين يلعبون قد يكلون من التعب ولكنهم لا يسأمون لأنه نابع من الفرد ويرتبط بالدوافع الداخلية له.
- اللعب هو الحياة؛ لأنه مطلب من مطالب النمو وحاجة من حاجاته وسلوك اللعب ليس من ألأمور الطارئة التي يمكن الاستغناء عنها.
خطأ المربين في تقدير قيمة اللعب:
ويعتبر العديد من الآباء والأمهات أن لعب الأطفال مجرد رفاهية أو ترف أو طريقة لقضاء الوقت بعيدا عن أنشطة أخرى أكثر أهمية، والاعتراض القائل بأن الأطفال لا يتعلمون شيئا مفيدا أثناء اللعب، أو أنهم لا يتطورون أو يهيئون أنفسهم للمدرسة والحياة قول خاطئ إلى حد بعيد، وحقيقة الأمر أن هناك سلسلة كاملة من الأنشطة المهمة والحيوية لنمو الأطفال يمكن أن ندرجها جميعا تحت مسمى اللعب. وتعد أنشطة اللعب هذه من أهم ما يمكن أن يفعله صغار الأطفال، فاللعب ليس مجرد طريقة كي يتعلم الطفل، بل هو الطريقة الوحيدة الجيدة والثابتة لتعلم الصغار؛ فمن خلال اللعاب يتعلم الطفل ويصقل مهاراته الاجتماعية والانفعالية والجسدية والعقلية، فالأطفال لن ينمو وربما لن يعيشوا إذا لم يلعبوا.
وعلى الرغم من أن اللعب - كنشاط يتمتع الطفل من خلاله بالدافعية من داخل ذاته، ويمارس من خلال عملية الاستكشاف فيشبع حب الاستطلاع- أمر حيوي للنمو الصحي؛ إلا أن العديد من صغار الأطفال محرومون من فرص اللعب، وحقيقة إن الأسوأ من ذلك بالفعل هو أن تمنع وتعاق طاقاتهم وقدراتهم العقلية من أن تظهر في سياق اللعب، فالعديد من الآباء والأمهات والمدرسين يتلهفون لإمداد أطفالهم في مرحلة ما قبل دخول المدرسة بنوع من البداية الأكاديمية المبكرة، التي تؤمن وتضمن لهم النجاح والتفوق في المدرسة.
لكن هؤلاء المربين يفشلون في تفهم ماهية وطبيعة اللعب التي تجعله أكثر من مجرد ألعاب من نوع خاص تمهد وتعد الطفل للمدرسة والدروس، بل إنه أحسن وأسرع وسيلة للتعلم، ولإعطاء الطفل الثقة بالنفس، وتنشيط العديد من المهارات لديه.
ويعتبر اللعب الوسيلة الأولى للتعلم في الخمس سنوات الأولى عند البشر وبنظرة مثالية فإن روح اللعب تبقى كعنصر إثراء في جميع أنشطتنا طوال سنوات حياتنا، إن كل ألعاب الأطفال الجماعية الخيالية والألعاب التي تعتمد على النواحي الجسمية كاللعب بالدمى فرديا أو مع الآخرين كلها بشكل إجمالي تسعى نحو نفس الفرض وهو الاستعداد والتهيؤ والرشد.
اللعب للطفل كالماء والهواء:
يمكن القول أنه من الحقائق الثابتة نسبيا في مجال النمو أن اللعب ضروري كالتنفس والطعام والنوم؛ فمن المؤكد أن الأطفال لا يستطيعون أن يعيشوا بدون الهواء أو الطعام، وبالمثل أيضا هم لا يستطيعون أن يبقوا لفترة كطويلة دون لعب.
ولا يعني ذلك أنه لضمان بقاء الطفل على قيد الحياة أنه لا بد على الوالدين أن يمدوا طفلهم بكل أنواع اللعب أو أن يحثوه ويحضوه على الذهاب للعب بجملة: اذهب والعب فإن اللعب مفيد لك.
ولكنه مع ذلك يجب على الأمهات والآباء – منذ أن يولد الطفل – أن يلعبوا مع أطفالهم في سياق من الأحداث الطبيعية، فالجميع يعرف كم هي مهمة أوقات اللعب المبكرة للطفل لأننا نعلم ماذا يحدث عندما يفشل الكبار في توفيرها لهم، والدليل على ذلك ما توصل إليه الباحثون من أن الأطفال الذين وضعوا في دور الأيتام أثناء طفولتهم قد أظهروا اضطرابات عقلية وانفعالية حادة، وإذا ما عاشوا فإنهم بالطبع يصبحون إما متخلفين أو غير متوازنين. إن وجود شخص يهتم بأن يحتضن الطفل ويلعب معه خاصة في سنوات عمره الأولى يبدو ظاهريا كأنه ترف، إلا أنه واقعيا يقرر مصير هذا الكائن الحي الصغير فقد يعيش الأطفال الذين يستمتعون بأوقات اللعب المحببة، ويتعلمون أشياء كثيرة بينما قد يموت الآخرون الذين قدر لهم أن يعيشوا حياة خمول وبلادة وقد أشارت الدراسات والبحوث العلمية في إطار التربية وعلم النفس التربوي حول اللعب والألعاب إلى أن اللعب ليس مضيعة للوقت بل هو خبرة عظيمة الفائدة والقيمة في التطور والتعلم والتطبع الاجتماعي فقد اعتبره علماء النفس أنه يلعب دورا هاما ورئيسا في بناء الشخصية وتوافقها وتكاملها. وفي ضوء حرص الأهالي وأولياء الأمور والمدارس وغيرها من المؤسسات العلمية والتربوية على توفير فرص اللعب للأطفال في كل الأعمار وفي ظل جميع الظروف والأحوال نجد أن المؤسسات العلمية والتربوية حرصت على إدخال اللعب في صلب المناهج والبرامج اليومية وأقبلت المؤسسات الصناعية على صناعة الألعاب وأدوات اللعب انطلاقا من الإيمان بقيمتها التربوية.